16‏/03‏/2016

"التريقة" في الصغر كالنقش على الحجر

الضحك بالعيون.. ممنوع أبين سناني

في "رحلة نضوج" (ورشة عمل للنضوج الذاتي والنمو النفسي) وفي إحدى الجلسات، بادرتنا مديرة الورشة بطلب .. "كل واحد يفتكر كلمة اتقالت له في الصغر وفرقت معاه في حياته"
أطرق البعض، وتحمس البعض الآخر، حتى أن بعضنا قال في حماسة: "حاجة واحدة بس؟!! .. حاجااااااااااااااااااات"



وسط حكايات الزملاء، سرحت في طفولتي، وتذكرت أنني في صغري فقدت بعض الأسنان الأمامية، وعندما نبتت من جديد، نبتت بحجم أكبر من حجم سابقتها، مما كان سببا في سخرية بعض أفراد الأسرة مني، مصحوبة بإطلاق بعض الألقاب. قد يبدو الأمر حتى الآن عاديا ومتكررا في معظم بيوتنا، إلا أني أدركت، وبعد سنوات طويلة، أن هذا الأمر ربما كان له تأثير كبير في حياتي، على مستوى تعبيرات وجهي، وبالتالي تعاملاتي مع الناس. كنت دائما أتعمد عدم إظهار أسناني في ضحكي، مما يعني أنني لم أكن أضحك، بل استبدل ضحكتي بابتسامة "وقورة" تحاول أن تخفي "عارا" أو إحساسا بالنقص!!. يبدو هذا بوضوح في جميع صوري على مدار السنوات المختلفة، فلا تكاد تلمح طرف أسناني في صورة منها، تاركا للعيون وحدها مهمة التعبير عن مشاعري، مما يجعلني أبدو أحيانا وكأنني "عابس" في الصورة أو "مش مستنضف الناس اللي بتصور معاها أصلا".

على مدار سنوات عمري، تعودت أن أسمع ممن أتعامل معهم تعليقا متكررا: "بصراحة .. أنا ماكنتش بقبلك في الأول.. كنت بحس إنك تنك كده" هذه الكلمات سمعتها على مدار العمر ممن صاروا أقرب الأصدقاء، ولا أجد أسباب ذلك تبتعد كثيرا عما نتكلم فيه.

كانت مديرة اللقاء تشير بهذا التدريب إلى ما يسميه علماء النفس بالإساءات، أو "الإيذاء النفسي". حيث تعد الإساءة خبرة ذاتية لمن تعرض لها، ويتحدد تأثيرها ليس فقط بنوع الحدث وشدته، وإنما أيضا  بعوامل ذاتية مثل استقبال الشخص ومدى حساسيته وقوة بنيانه النفسي.
يقول علماء النفس: "أن تعرض الأطفال الذين لم يكتمل نمو شخصياتهم بعد إلى الإيذاء المتكرر، يؤدي إلى تشوهات في الشخصية، تدوم وتحتاج إلى رحلة طويلة من التعافي والعلاج".

ويقول الدكتور أوسم وصفي في كتابه "مهارات الحياة":
"لا يستطيع الطفل أن يهرب من مصدر الإيذاء النفسي خصوصا عندما تكون الأسرة مصدر هذا الإيذاء. كما أن الطفل لا يمتلك في هذا الوقت التعامل الصحي مع الإيذاء، لذلك فإنه يكوّن مجموعة من الدفاعات غير الناضجة ليحمي نفسه، فقد يستخدم مثلا "الإنكار" وهو عدم استقبال الأحداث الصادمة في الوعي تماما كأنها لم تحدث، أو "كبت المشاعر" فيتذكر الأحداث وكأنها خبر في صحيفة، دون أن يشعر بها. كذلك قد يستخدم الطفل سلوكيات دفاعية لتخدر إحساسه بالخوف أو الخزي أو الألم أو الصدمة، فيستخدم بعض الأطفال "الإفراط في الأكل" وتستخدم بعض المراهقات "الإفراط في عدم الأكل" للوصول للقوام المثالي، ويستخدم بعض الأطفال "العنف والسيطرة" ويستخدم بعضهم "هوس الكمال والتفوق الدراسي" وبعضهم يستخدم "التدين" وإرضاء الناس، ..."
كل هذه السلوكيات الدفاعية بهدف التغطية على مشاعر الخوف والخزي التي تنتج بسبب الإساءة، وعندما تستخدم هذه الدفاعات بكثرة فإنها تشوه الشخصية، وتؤدي إلى "ذات مزيفة".

عشان كده ما استغربتش لما قرأت مؤخرا على لسان الفنانة الراحلة "صباح" أنها كانت تقول عن زيجاتها الكثيرة في حياتها:

"أهلي كانوا بيشوفوني بِشعة
يقولوا: شو طالع منك انتي؟
ومين راح يتجوزك؟ 
ضليت أتجوز لأقهرن" !!

تخيل!! ممكن الواحد يفضل ياخد قرارات طول عمره عشان بس يثبت لغيره حاجة .. أو عشان يثبت لنفسه إنه غير الصورة اللي رسمها له غيره.

أطلق هذا التدريب حكايات كثيرة مؤلمة داخل المجموعة – لا تعد حكايتي بجانبها شيئا - وساعدتنا في التعرف على بعضنا البعض بشكل أكبر من خلال معاناة كل منا، بل وأطلقت أيضا الكثير من الدموع، سواء من أصحاب الحكايات نفسها، أو ممن تأثر بها.

لست في حل لأن أذكر لكم تفاصيل هذه الحكايات، فهي من أسرار المجموعة، ولكن قد يكون مفيدا أكثر أن أكتب لكم بعض ما خرجت به من هذه الحكايات، فقد تفيد من يهتم بالتربية، أو يخطط أن يهتم بها:

·        ما تتريقش على ابنك: شكله، جمسه، لبسه، طوله، قصره، ...
·        بلاش تطلق عليه ألقاب: الكلبوظة، الدبدوبة، القزعة، أبو طويلة، ...
·        إوعى تقارنه بغيره.
·        ما تتوقعش منه الصح دايما.
·        قدّره لما ينجز حاجة وكافئه.
·        استمع له دائما، واهتم بما يقوله.
·        سيبه يدافع عن نفسه، وما تعملش محامي عنه.
·        اعرف إنه من حقه يغلط.
·        ساعده يكون على طبيعته مش متكلف عشان حد.
·        احترم اختياراته، وسيبه يتحمل مسئوليتها.
·        لا تعتبر نجاحه هو نجاحك الشخصي، ولا فشله هو فشلك الشخصي.
·        "بلاش براويز" انت الكبير، انت العاقل، انت متدين، انت ابن فلان، ...

أرجوك.. لو عندك طفل أو طفلة، افتكر الحاجات دي كويس، وحاول تطبقها، قبل ما ييجي ابنك أو بنتك، بعد سنين كتيرة، يقعد في قعدة زي دي، ويحكي عن تعاملك معاه، وهو بيضحك، وفي لحظة، يبدأ في بكاء شديد، بينما اللي حواليه حاطين وشوشهم في الأرض.

نسيت أقولكم إني من فترة قررت إني أضحك في صوري، بصرف النظر عن شكلي ح يطلع إيه.
أضحك ضحكات كبيرة، واسعة، من الودن للودن.
اضحك حتى لو اضطررت إني أطلب من اللي بيصورني يضحكني.
اضحك عشان أنا مش شايل عار مفروض أخفيه.
اضحك عشان أكون طبيعي .. عشان أكون حقيقي.
اضحك عشان أقدر أعيش.
 --
* نشر هذا المقال لأول مرة في موقع "مصر العربية" في يوليو 2014


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق