ديواني اللي أنا مقصّر في حقه


"بايني كبرت" ..
ديواني الذي جاء إلى الوجود في عام 2008 ليجد نفسه أخا لـتسعة وتسعين عملا أدبيا، سبقوه إلى سلسلة الكتاب الأول.
هو بالنسبة لوزارة الثقافة لا يمثل أكثر من مجرد رقم في سلسلة ضمن مشروع من المشروعات.
وبالنسبة لدواوين الشعر في مصرنا "المخروسة" فهو مجرد "قتيل" أضيف إلى المشرحة "اللي مش ناقصة قتلة"
أما بالنسبة لإنتاج الشعر والأدب في العالم فهو يمثل "النانو" بشحمه ولحمه.

لكنه بالرغم من ذلك فهو يعني لي أنا الكثير والكثير. لا أقولها كما يقولها أدعياء الفن "هو ابن من أبنائي" ولكن كما أخذ ابني مني قصر قامتي، وأسلوب كلامي، وطريقة نومي،... فإن في كل قصيدة من قصائد هذا الديوان شيئ مني .. حزني وفرحي، وسخريتي وثورتي، وتأملي في الحياة.

منذ بدأت شخبطات الشعر في "الإعدادية" كان هذا الديوان بالنسبة لي "حلما" أن يردد كلماتي أحد ما غيري على وجه الأرض. ثم اصبح "أملا" عندما نضجت الموهبة في سنوات الجامعة الأولى، عندما كنا نرسل أشعارنا إلى الجرائد بالبريد العادي، ولا حياة لمن تنادي، ذلك قبل أن تعرف البشرية الإنترنت والمدونات وصفحات الفيس بوك والتويتات.

عندما أردت جمع قصائده قابلت مشكلة كبيرة، فالقصائد تنتمي إلى أكثر من 12 سنة من الكتابة، تغيرت فيها قناعاتي وأفكاري وموضوعات كتابتي بل وأسلوبي في الكتابة، فجمعت القصائد كلها في ملف واحد وأرسلتها إلى مجموعة كبيرة من "المغامير" رفاق الكفاح والحلم، ليختار كل منهم ما يراه صالحا لديوان حديث. عدلت بعض القصائد، واستبعدت الكثير منها، وبقى لي الكثير، ليكوّن صفحات هذا الديوان.

صدر الديوان ..
فوجدني منشغلا عنه. أخبرتني صديقة بصدوره "روح هات نسختك" ونشر آخرون منه على الإنترنت، حتى صفحة الديوان على الفيس بوك أنشأها صديقي أحمد الحضري "ودعاني إليها".
قلة أدب مش كده؟؟!!

ورغم ذلك .. وبحجم كبر الحلم كانت دهشتي من رد الفعل على الديوان وعلى قصيدة الديوان "بايني كبرت".
هو تماما ما تمنيته يوما لكني لم أجرؤ على توقعه.

فمن رئيس تحرير مؤسسة كبرى، إلى "الخضري" اللي في شارعنا، إلى شعراء من أهل "الكار" إلى عامل بوفيه، ... أناس من مصر ومن خارج مصر، بعضهم أعرفه وبعضهم لم أره في حياتي، والقاسم المشترك بينهم واحد .. "إنت قلت اللي جوانا !!"
ما أجمل أن تتصل بالناس!

أن يستوقفني "الخضري" بتاع شارعنا فيقول لي " شفتك إمبارح في التلفزيون يا أستاذ .. الله أكبر .. كلام بالصلاة ع النبي"

أن تقول لي إحدى الصديقات "قصيدتك خلتني أراجع حاجات كتير في حياتي"

أن يسمعني عامل بوفيه في إحدى الفضائيات، فيبادرني بعد توقف التصوير دون مقدمات "بص يا أستاذ .. أنا ماليش في الشعر والكلام ده .. بس الكلام اللي انت قلته عن أختك ده حلو قوي" (في إشارة إلى قصيدة بايني كبرت)

أن يصل الديوان عن طريق أخي إلى مصري مهاجر في كندا، فيرسل إلى رسالة وأبيات شعر من تأليفه، ليقول لي "أحسنت" ولا ينسى بالمرة أن ينعي أشياء تركها خلفه أو أجبر على تركها.

أن تصرّ والدة إحدى زميلاتي أن تقرأ ابنتها قصيدة من الديوان لضيوفهم كلما زارهم أحد.

أن يكتب عني أحد النقاد ليجعلني امتدادا للنديم وبيرم وبديع والكمشوشي وأبو بثينة والسيد عقل وأبو فراج والحاج فكري
يا دين النبي!! مين دول؟؟
والمصحف ما أعرفهم !!
لكن يبدو حتى من أسمائهم أنهم كانوا من أهل الكلمة، عاشوا بين الناس، فبقيت كلماتهم، وبقى هناك من يذكرهم وينسبني إليهم على ابتعاد المسافات وتباعد القامات.

أن يستعير الديوان "من حماتي" موجه لغة عربية، فيرسل إلى دراسة نقدية، يوضح فيها "مواطن الجمال في الديوان" على غرار منهج الثانوية العامة.

أن يقابلني أحد الشعراء من جيلي فيقول لي "أنا ما بحفظش شعر، بس قصيدتك من القصايد القليلة اللي حافظها عن ظهر قلب"

أن تتحول "بايني كبرت" إلى "قصيدة أعياد ميلاد" فيضعها الشخص - أو توضع له- في عيد ميلاده على صفحته لتضيف إلى أغراض الشعر غرضا جدديا هو "أعياد الميلاد" إلى جانب المدح والغزل والهجاء والرثاء.

أن أرسل إلى أحد الأصدقاء من النقاد الشباب رسالة على محموله أهنئه فيها بشهر رمضان، فيرد على برسالة طويلة نصها "أتمنى ألا تضحي بالشعر كتابة وقراءة وثقافة، لأنه الوجه الأجمل للإنسان، وكله بعد ذلك زائل.. الشغل والماجستير مجرد وسائل لحياة مريحة لكنها عابرة. أرجوك لا تفرط في موهبتك .. في هدية الله لك"
مش بقولكم مقصّر قوي !!!

كل هذه اللقطات لم ترصدها الفضائيات ولم تكتب عنها وكالات الأنباء، وبالتأكيد لن يلتفت إليها صانعو الأفلام الوثائقية لتكون مادة لفيلم عني.

لكنها تعني لي الكثير والكثير والكثير
أنا وليس أحد غيري
فهذا بعض مني وصل للناس فأكرموه وأحسنوا ضيافته وأودعوه قلوبهم
ماذا يريد أي شاعر بعد هذا؟!

.................................
.................................
.................................

يحلم كل شاعر عندما يصدر ديوانه الأول أن يصدر الثاني والثالث. ولست استثناء من هذا. لكني وبكل صدق سأكون راضيا لو لم يكتب لي أن أنشر غير هذا الديوان.
سأكون راضيا أن أعرف بهذا الديوان، أو بقصيدة منه.
سأكون راضيا لو لقيت الله بهذا الديوان.

كل ما أتمناه أن يدور حوار بعد عشرات السنين بين شابين جامعيين، فيقول أحدهما للآخر:
"هو احنا زماننا اللي استعجل؟ والا احنا كبرنا وبنداري؟"
ثم يترحم على قائل البيت، حتى لو لم يتذكر اسمه.
.....
ديواني الحبيب
انشغلت عنك كثيرا
واهتممت بيوسف وسلمان أكثرمن اهتمامي بك
لذلك لا أتوقع أن يكون برّك لي كما أحب
ولكن لعلي قد رددت إليك بعض اعتبارك بهذا المقال
سامحني


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق